مدونة علمية ، تعليمية ، تكنولوجية ، و ثقافية ، تقدم مواضيع مختلفة في مجالات متعددة.

الأحد، 19 فبراير 2017

ظــاهرة الهـــروب من المدرســة (دراسة سيكولوجية)

      ... إن التطور العلمي الهائل في مجتمعاتنا المعاصرة أصبح مدعاة لظهور بعض المشكلات والظواهر التي تستدعى البحث الميداني، و البيداغوجي و التربوي أيضاً ، ومن هذه الظـــواهر التي استشــرت في الوســـط المدرســي هروب بعض الطلبة من المدارس بشكل ملاحظ وكبير ، ومع أن تلك الظاهرة خطيرة وقد تشكل وباء يصل إلى حد يصعب السيطرة عليه ، فإنه أصبح أمراً يمرُّ على الأسماع ويمضي كما لو كان أمراً طبيعياً .!
                                                  

    وقد أوعز البعض هذه الظاهرة إلى الضغط المدرسي الكبير و الإكتظـــاظ الذي تعــاني منــه أغلب مدارسنـــا ، و كذا المقـــرّرات الكثيفــة الغيـــر مدروســة و خــاصة في المرحــلة الإبتدائية و المتوســطة ، سبباً في هروب البعض من المدرسة ، كمــا أنّ تدنّــي المستــوى المعيشي لدى الأُســـر و العائلات  أثّــر  بشــكل واضــح على ســـلوكات الأبنـــاء ، بعد مااستقــال الآبــاء من عملية التربيــة و المتــابعة لانشغـــالهم بتوفــير لقمــة العيش ،،  مشاكل مادية وظروف منزلية صعبة تجعل الأبنـــاء  يذهبون  إلى المدرسة على مضض وغير قادرين  على تحمل أي ضغط خارجي آخر ، وكذلك المعاملة التي يحصل عليها الأبنـــاء من زملائهم و من الممكن أن تكون غير جيدة ، مثل أن يكون أصحابهم  من عوائل مترفة مادياً  فيشعرون آنذاك بالنقص وبأنهم  اقل من غيرهم و يحـــاولون الهـــروب من ذاك الواقع غــير العــــادل في نظـــرهم . 



ويمكننا أن نجمل أسباب هروب الأبنـــاء من المدرسة إلى :
     أولا: المدرسة
          حيث أن المدرسة تتحمل المسؤولية من عدة جوانب من أهمها:
الإكتـــظاظ في الأقســــام ممّــا يُسبّب ضعفــاً في التحصيــل ،و كذا إنعــدام  المرافق الضرورية بالمدرسة ( دورات مياه ، وســائل التدفئــة ، الإطعـــام  ،مثلا ) غير مكتملة أو غير صالحة ، وكذلك الشكل الخارجي للمدرســة غير مريح للنفس لانعدام الصيانة الدورية إضافة إلى عدم وجود أماكن للترويح عن النفس ( حديقة – صالة العاب – صالة أنشطة عامة ... الخ ) .
     ثانيـاً : المعلم
       يتحمل المعلم مسؤولية هروب التـــلاميذ من صفه و بالتالي من المدرسة وذلك من خلال:
أ- إتباع المعلم لأساليب غير تربوية ( كالضرب والشتم ) في تعامله مع تــلاميذه.
ب- عدم مقدرة المعلم على ضبط الصف وإدارته بالشكل السليم وبالتالي يرى التلميــذ وجوده في الصف مضيعة للوقت .
ت-عدم مقدرة المعلم على تجديد معلوماته وخبراته من الناحية التربوية والتنويع في طرق تدريسه بما يتلاءم مع كل صف .
ث-ضعف المعلم في مادته العلمية وبالتالي يفقــد ثقة تلاميــذه  فيه فينصرفون عنه.
ج-أحياناً يحمل المعلم تلاميــذه فوق طاقتهم من التكاليف الصفّية واللاصفّية فلا يستطيعون الصبر معه.
ح-قد يتوفر المعلم على كل الايجابيات إلا انه يفتقد للإخلاص فلا يواصل تلاميــذه معه.
    ثالثــاً : المنهج 
        الإرتجــالية و ضعف التفكــير في وضع المنــاهج التربـوية ، يُشكــلان أيضــاً صعوبة وعدم التوافق مع ميولات  واتجاهات الطلبة و التلاميــذ ، وتحقيق رغباته واستفزاز لقدراتهم ،  وكثرة الحشو الغير مفيد سبباً لنفورهم  من المادة وبالتالي هروبهم من المدرسة .
    رابعــاً : الإدارة 
         تتحمل الإدارة مسؤولية اكبر من غيرها في مسألة هروب الطلبة و التلاميــذ  من المدرسة ومظاهر هذه المسؤولية تكمن في :
أ- قد يكون مدير المدرسة من النوع التسلطي فلا يجيد التعامل التربوي مع مؤسسته التربوية (معلمين – طلاب ) إلا بالسوط والجلاد – ولذا سوف ترى أن الجميع يهرب منه ، وقد يكون من النوع صاحب الإدارة الفوضوية فيجعل الحبل على الغارب ولا يسأل عن من هرب أو من لم يهرب.
ب- عدم الاهتمام بالغياب وإهمال تطبيق اللوائح والقوانين الخاصة بذلك .
     خامسـاً : الأسرة
         تقتسم الأسرة المسؤولية في هروب الطالب من المدرسة مع المدرسة ، وصور هذه المسؤولية تكمن في :
  - انعدام التوجيه والإرشاد بخطورة هذه الظاهرة علي المستقبل الدراسي للأبناء .
  - انعدام الرقابة والمتابعة في المنزل أو في المدرسة .
  - انخفاض مستوى الطموح لدى الوالدين أو احدهما مما ينعكس سلباً على مستوى الطموح لدى الأبناء وبالتالي اللامبالاة بالدراسة .
  - غياب القدوة والمثل الأعلى .
  - تدني المستوى الاقتصادي والثقافي للأسرة ( ليس في كل الأحوال ).
  - رفقاء السوء ومالهم من دور خطير في التأثيــر على الأبنــاء ، و خــاصة في مرحــلة المراهقــة ، حيث يصبحــون لقمـــة طريــة ســـائغة في أفــواه الذئــاب البشـــرية .
                           
    

       أساليب العــلاج من الظــاهرة :
ولكي نعمل على علاج هذه المشكلة فعلينا أن نعمل علي القضاء على أسبابـها ، سواء من المدرسـة أو البيت ، بالاهتمام بالمبنى المدرسي بصورته المتكاملة ومراعاة النواحي النفسيـة والفسيـولوجية للطلبة و التلاميــذ  بما يتماشى ومراحل نموهم  وعدم إغفال الجوانب الترويحية في المبنى المدرسي .
أولاً على المعلم :
       تجنب ما ذكرنا من سلبيات وأن يتّبـع المعلم الأساليب التربوية وأن يُطـوّر نفسـه أكاديميـاً وتربـوياً ( في مادته العلمية – طرق تدريسها ) وأن لا يُثقـل كاهـل تلاميــذه بالواجبات المنزلية وأن لا ينسـى الإخـلاص والعمـل لوجـه الله .
* أن يُراعــي واضِعُو المناهـج الدراسيـة الأسـاليب التربـوية الحديثـة في إعـداد المناهـج الدراسيـة من حيث تماشيـها مع متطلبـات العصر ، و مراعاة النواحي النفسيـة والعقليـة لأبنــــاء  القرن الحادي والعشرين وأن يقلّلـوا من الحشو الغير مفيــد للمواضيــع.
ثانياً مع الأسرة:
*على الأسـرة الإنتبـاه لضرورة التوجيـه والإرشـاد الدائـم بخطورة مثل هذه الظاهرة غير التربوية ومردودها السلبي على الأبنـــــاء .
*على الأسـرة التعزيـز المستمر وتوضيح أهمية التعليـم و مردوده الإيجابي على الأبنــاء مستقبلاً.
*على الأسـرة متابعـة الأبنـــاء سـواء داخـل المنـزل أو خارجـه.
*على الأسـرة أن تُخْـلي جوّها الأسـري من المشـاكل أو على الأقـل أن تبعـدها عن الأبنــاء .
*على كل فـرد في الأسـرة – بداية من الأب ونهاية بالأخ – أن يكـون قدوة حسنة ومثال خــير يُحْتَــذَي به.
ثالثاً – مع المجتمع :
  -  يقـع على عاتـق الأسـرة نُصْحُ الأبنــاء و العمــل على إبعــادهم عن رفقاء السوء ، وعلى كل فرد في المجتمع القيـام بذات الدور ومحاربة وصدِّ – الشّلة الفاسدة – إن صح التعبير.
  - على الإعـلام  دور التوعيـة المستمـرة بخطـورة  أيّ  ظاهرة غير تربوية دخيلة على مجتمعنا قبل أن تتفـشّى.
     وعلى كل حال مع كل ما ذُكـر في ظاهـرة الهـروب من المدرسـة ، فإن هذا لا يعني أن نجد العذر للطلبـة و التلاميــذ  للهــروب من المدرسـة ، لما في ذلك من مخاطر.
    ومن خـلال الإستعـراض السـابق لهذه المشكلة وأسبابها و وسائل علاجـها ، نلاحـظ أنهــا  مشكلة اجتماعية في جوهرها قبل أن تكـون مشكـلة تدور حول فرد من الأفـراد ، الأمر الذي يستـلزم تكـاتف الجهـود عبــر الوســـائل الرامية ، إلى إحداث التكامل بيـن  الجانبين المدرسي والإجتمـاعي و العمل معاً لتوفيـــر منـــاخٍ ملائــم لتمــدرس الأبنــاء .
واتساب

0 التعليقات:

إرسال تعليق

صفحة المدونة على الفايسبوك :

للإشتراك بالمدونة :

أرشيف المدونــــــــــــة