مدونة علمية ، تعليمية ، تكنولوجية ، و ثقافية ، تقدم مواضيع مختلفة في مجالات متعددة.

السبت، 25 فبراير 2017

فايسبوك ، أو المستنقع الأزرق الكبير

    شهــد العــالم في القرن الواحد و العشرين إنفجـــاراً تكنولوجياً  و ثورةً إلكترونية كــان لهمــا بالغ الأثـر في تغيير نمــط الحيــاة و أساليب العيش لدى البشــر، و كان لِزاماً على شعوب المعمــورة أن تتكيّف مع هذا التحـــوّل الهائل و الرهيب ، و أن تجـــد لنفســها - كلٌّ حسب فكره -معـــالم تسيــر بها وســط هــذا الزّخــم و الكمّ  اللامتنــاهي من الإختــراعات العلمية و التكنولوجيــة .

    وقد كــان لهــــذا التطــوّر أن يُحــدث طفـــرة في عـلاقات الشعــوب ، و الإتصــال بين أفـــراد المجتمعــات ، و ذلك من خــلال إحــداث و تطوير شبكــات إفتــراضية للتواصــل بين الأفـــراد ، يتبــادلون من خلالها الآراء و الأفكـــار ، و التجــارب المفيــدة ، وتنميــة المعـــارف و إيجــاد الحلول لمطبّــات الحيــــاة .


    و من الشبكــات الإفتراضية التي كان لهــا نصيبٌ كبير في عالم التــواصل بين الشعوب الفايسبــوك Facebook ، شبكــةٌ صمّمها مُنشؤُها ( طالبٌ جامعي ) قصــد التــواصل مع زمــلائه  خارج أوقات الدراســة لإنجــاز مذكّـراتهم الجمــاعية ، فإذا بهــا تتحــوّل إلى قطب يجمــع أكثر من خُمس البشــرالموجــودين على كوكب الأرض ، و يخطف عقــول و قــلوب الملايين ، و يُــدمن عليــه  الصغــير و الكبيـر...
    كمٌّ هــائلٌ و ضخم -لا يخطــر على بال بشــر- من المعلومــات و الصــور و الرّســائل ، الصوتية منها و المرئيــة و المكتـــوبة ، يتبــادلها البشــر  عبــر شبــكة الفايسبـــوك على مـــدار الســـاعة  جعـــلت من العـــالم بحــق قريــةً صغيــرة ، يتعــارف سكــانها  فيما بينهــم و كأنّهم جيرانٌ بالجنب ... يتفـــاعلون ، يشتركون ، يتناقشــون ، يتبــادلون الرُّؤى و يتنــاقلون أخبــار العــالم آنياً ...
    فضـــاء الفايسبــوك بحكم المهمّــة التي أُنشىء من أجلها اختصــر كثيراً من الزّمــن و المســافات ، و أعطى دفعــاً قويّاً لمجــال المعلوماتيـة ، فانجذب إليـه  العــالِم و البــاحث و الطــالب ، و الوزيــر والطبيــب و المعلّم ،، و كلّ شـــرائح المجتمع .
                                                     


   و لمّا كــان الولوج إلى فضاء الفايسبــوك  لا يتطلّب أي جهدٍ و لا تحكمـه أيّة قوانيـن ، فقد بات من السهولة بماكان أن يلجـه الصّـــالح و الطّــالح معــاً ، فاختــلط الخبيث بالطّيب و تعكّـر صَـفْوُ هذا البحر المترامي الأطـراف ، و أصبح التّفـريق بين محاســن الفايسبـوك و خبــائث المجتمعـات أمراً في غـاية الصعـوبة ، خاصةً لمّا استحـوذ أصحـاب القوة و المـال على هذا الفضـاء الأزرق ، و عمـدوا إلى تغيير وِجهتـه الحقيقية و استبـدالها بزرع الفتنة بين الشعـوب و تشجيـع القتـل و الدّمـار، و نشر الرّذيـلة و تعميم الفحشـاء في المجتمعـات المحـافظة ، و خـاصّةً الإسـلامية منهـا  و العربيـة .
   و لمّـا كنّا نحن المستهـدَفين ، لم نتـحرك و بقيـنا نتفـرّج مشـدوهين من هـول الصّـدمة التكنـولوجية الغربية  التي أصـابتنا في الصّميـم ، و نخـرت مجتمعنـا فقضت على ما تبقّى من أنفتنـا و قيمنـا ، و ذهبت بمـروئتنا و أخـلاقنا ،، و الأدهـى و الأمـرّ من ذلك ، تركنـا أبنـاءنا و فلـذات أكبـادنا يتيـهون وحدهم بدون رقـابة ، ليجذبـهم ذاك  التيّـار الأزرق الذي لا يُقـــاوم ، فأخـذ كلّ وقتهم و تكفّـل " بتربيتهـم " نيـابةً عنّا ، فتاهـوا في المستنقـع  الكبير و تهـنا بالبحث عنهـم ، ولا نـدري حتّى من أيـن تبـدأ الحكـاية ..   
                                                          


   و للبــاحث في الأمـر، يكفيـه فقط أن يفتح صفحـةً على الموقع الأزرق ، فيشـاهد مالا عينٌ رأت و لا أُذنٌ سمعت ،، صفحـاتٌ مفتـوحة على مصـراعيها ، سـوقٌ كبير الكلّ فيه يهـذي و يصـرخ  وينضـح بما فيه ،، صفحـات أظهـرت الأسـوأ ما في الشعـوب ،، الكلمـات النّـابية و البذيئة هي اللغـة الرّسمية لأصحـاب الصفحـات ، إسفـافٌ فكـري ، دعـواتٌ للطّـائفية و الفتنـة ، مسـاحات للصـور الإبـاحية و المخـلّة بالحـياء ، دعـواتٌ للشّـذوذ ، ترويـجٌ علنيٌّ للعُهــر الجسـدي و السيـاسي معاً ، ترويـجٌ للمخذّرات و المحــرّمات ، إنتهــاكٌ للحرمـات ، إذلالٌ و تسويفٌ للروح الإنسـانية ، تنكيـلٌ بالقِيـم التاريخية و الإجتمـاعية لهـذه الأمّـة ، و ... و ... صفحــات استغلتهـا شركـات الإجـرام العالميـة  و دوائرالتّخـابرالقـوية  لنصب مصـائدها و بثّ سمـومها  ، والإطـاحة بأبنـائنا في مستنقـع الرّذيـلة و شبكات العمـالة للأعـداء ،  ليكـونوا معـاول هـدمٍ سهـلةٍ و رخيصـة ضـدّ أوطـانهم و كلّ ما يرمز لمقوّمـات المجتمـع العربي و الإسـلامي .
                                                   


  و أمـام تنـامي هذا السّـرطـان الفتّـاك ، لا وقت لدينـا للبكـاء و النّحيب ، بل علينـا الإسـراع و بأقصـى سرعـة ممكنـةٍ ، لإنقـاذ شبـابنا و أبنـائنا من مخـالب هـذا الغول الأزرق  الذي لا يرحـم ، و الإدمـان الذي أصـابهم في عقـولهم ، و نكـون لهـم مرشـدين و موجّهيـن و مـرافقـين ، و ناصحـين لطــرق العـلم الصّحيحة ، لأنّ التكنولـوجيا هي نعمــة هذا القـرن و التحـكّم  فيها و استغـلالها في مَـواطِن النّفـعِ هي نعمـةٌ أكبـر و سـلاحٌ أقــوى لمســايرة الرّكب في هـذا العصـر ، فشبـاب اليـوم لا يدركـون المخـاطر الحقيقيـة التي تُحـدق بهـم من كلّ صـوب ،  إنْ لم نكن لهـم مبصّـرين ، و الأخـذ بأيـديهم نحـو الطّـرق السّليمـة في استعمــال التكنـولوجيا و التّحـكم في أدواتهـا  في كلّ مناحـي حياتهـم الدراسـية و العمـلية والترفيهيـة ، و تسخيـرها في اكتسـاب المعــارف العلميـة الحديثـة  و إدارة البحـوث في جميع المجـالات ، لما توفـره من جهـد و سـرعة في التنفيـذ و ربحـاً للوقت . 
   و لأجــل هـذا كلّه ، وكأمّةٍ لها نفس المقوّمـات و المعتقـدات ، يجب علينـا الإحسـاس بالمسـؤولية و ألاّ نستصغـر الخـطـر المُحـدَق بنا ، و أن نتكــاتف جميـعاً لردع كلّ الأيــادي الخبيثـة التي تحـاول النّيْـلَ من أبنـائنا و شبـابنا ، و نعمـل على إرســـاء قـــواعد نســاير بها التطـور العـلمي و التكنولوجـي ، لا تختـلف و قيَمـنا و مبـادئنا الحضـارية  كـأمّة لها السّـبق في العـلم و العـلوم ، و حتّى لا تكـون أجــيالنا مضغــةً ســائغةً في فم الأقــوياء ...


         

واتساب

0 التعليقات:

إرسال تعليق

صفحة المدونة على الفايسبوك :

للإشتراك بالمدونة :

أرشيف المدونــــــــــــة